الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، والمعلِّم النِّحرير، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
فإنّ قدرة الله، عزّ وجلّ، تحقق بكلمة واحدة "كن".
إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون [يس:82].
والله، عزّ وجلّ، أخبر في كتابه أنه سوف يُنطق أعضاء الإنسان، لتشهد عليه، لأنها جند من جنوده تبارك وتعالى: يوم تشهدُ عليهم ألسِنَتُهم وأيديهم وأرجلُهم بما كانوا يعملون [النور:24].
يوم يقول الكافر لجلْده: كيف تتكلَّم؟ كيف تشهد عليَّ، من أنطقك، فيجيب: أنطقنا الله الذي أنطق كلَّ شيء [فصلت:21].
وفي السنة والسيرة أحاديث كثيرة، أظهر الله فيها قدرته على ألسنة الحيوانات، حيث تكلّمت بألسنة عربية فصيحة، أنطقها الواحد الأحد، ليبيّن أنه على كلّ شيء قدير.
ففي صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إني لأعرف حجراً في مكة كان يسلِّم عليَّ قبل أن أُبعث))[1]، هكذا في الصحيح، حجر، جماد، كان إذا مر به النبي عليه الصلاة والسلام، يقول له بصوت وبحروف، وبنطق: السلام عليك يا رسول الله.
خرج سليمان عليه السلام يستسقي بقومه وقد علَّمه الله منطق الطير، فوجد نملة رفعت أيديها وأرجلها تدعو الله، تشدو بذكره، تهتف باسم الواحد الأحد، تحتاج إلى الماء، فلا تجد إلا من بيده خزائن السماوات والأرض فتدعوه.
رفعت أيديها وأرجلها تبتهل إلى الله وتدعو بنزول القطر، فرآها نبي الله سليمان وتبسم، وقال لقومه من بني إسرائيل: عودوا فقد سُقيتم بدعاء غيركم، قال تعالى: وما من دابَّةٍ في الأرض إلا على الله رزقُها ويعلمُ مستقرَّها ومستودَعَها كلٌّ في كتاب مبين [هود:6].
خرج رجل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، إلى ضاحية من ضواحي المدينة يرعى الغنم، فأخذ الذئب من غنمه شاة، فطارده الرجل حتى أخذ منه شاته، فقال الذئب بلسان فصيح: أتأخذ رزقاً رزقنيه الله، فدُهش الرجل وقال: يا عجباً !! ذئب يُكلّمني.. قال الذئب: أين الراعي يوم لا راعي لها إلا أنا. يقول: أنت تحميها الآن، ولكن سوف يأتي زمن قبل الدجال لا راعي إلا الذئب، وفي هذا اليوم لن تمنعها أنت ولن تحميها؛ لأني أنا الذي سأحميها.
ثم قال الذئب للرجل لما تعجّب من تكليمه إياه: أعجب من ذلك رجل بين الحرتين، يوحى إليه صباح مساء[2].
يقول: أعجب من تكليمي لك، رجل وهو النبي عليه الصلاة والسلام، يأتيه الوحي من السماء، لا يقرأ، ولا يكتب، وما تعلّم، وما درس، ومع ذلك أتى بشريعة ربانية، وبوَحيٍ سماوي، وبمنهج خالد.
وفي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: ((أتى رجل من بني إسرائيل فركب بقرة، كما يُركب الحمار، فالتفتت إليه البقرة وقالت: ما خُلقنا لهذا، إنما خُلنا للحرث))[3]، تكلّمت البقرة، فمن أنطقها؟ أنطقها الذي أعطى كلَّ شيء خلقه ثمّ هدى.
ومن الأحاديث الإسرائيلية، أن عيسى عليه السلام، مرَّ ببقرة وقد اعترض ابنها في بطنها وهي في الولادة، صعُبَت عليها الولادة، فجعلت تتلفّّتُ إلى السماء، لأنها تعلم أن الذي يُجيب السائلين، ويُفرِّج كرب المكروبين، ويزيل هموم المهمومين إنما هو الله.
التفتت ثم قالت لعيسى عليه السلام: يا روح الله، أدعو الله أن يُسهِّل عليَّ، فدعا عيسى عليه السلام، فسهَّل الله عليها. فسبحان الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، وسبحان الذي يسجد له من في السماوات ومن في الأرض طوعاً وكَرهاً، وسبحان الذي خلق كل شيء، وأبدع كل شيء، وكلُّ شيء عنده بمقدار.