تعودنا منذ سنوات أن معظم الأفلام التى توصف بالكوميدية - ظلماً وعدواناً - لا تقول أى شيء، بل إنها مجرد استعراض مجانى لمهارة البطل المضحْك فى القفز والنطّ والجرى وأحياناً مهارته فى ضرب بعض زملائه فى المشهد على قفاهم أو وجوههم أيهما أقرب.
ولكن فيلم "الثلاثة يشتغلونها" الذى لا يبشِّر عنوانه بأى شىء مهم يقول بالفعل كلاماً مهماً من خلال حدوتة بسيطة عن الأجيال الجديدة التى تعلمت فى المدارس بطريقة الحفظ والتلقين، ثم أوهمناهم بأنهم من المتفوقين، وعندما ألقى بهم فى بحر الحياة اكتشفنا أنهم عقول فارغة لم تتعود على الاختيار، ولم تتعود على الفهم ولكن على تكرار ما سمعته وقرأته.
الفيلم الذى كتبه "يوسف معاطى" وأخرجه "على إدريس" يختار نموذجاً لفتاة مصرية مثل آلاف الفتيات، كل ما تجيده هو أن تحفظ الكتب بما فى ذلك ما هو مكتوب على الغلاف الأخير من رقم الإيداع ووزن الورق واسم المطبعة.
بطلتنا "نجيبة متولى الخولى" "ياسمين عبد العزيز" القاطنة فى "بين السرايات" تحلم فقط بأن تعبر الشارع لتدخل الجامعة، وعندما تنجح بتفوق فى الثانوية التى تعتمد على استرجاع ما هو محفوظ، يقترح عليها والدها "صلاح عبد الله" أن تدخل كلية الآثار فتفعل دون تردد، لأن الأمر بالنسبة لها واحد: مجرد كتب ستحفظها وتملأ بها ورقة الإجابة.
ويوصيها الأب بالحصول على الشهادة العالية التى يمكن أن تؤهلها للماجستير والدكتوراة وربما رئاسة الجامعة نفسها.
أما الأم "هالة فاخر" فهى توصيها بأن تخرج من الجامعة بعريس، وهكذا يرسم معاطى ببراعة أحلام البنت المصرية التقليدية وطموحها فى التعليم العالى: الشهادة والعريس!.
ولكن "نجيبة" لا علاقة لها أصلاً بالحياة، ولكن علاقتها بالكتب، ولذلك ستصبح ضحية خداع من ثلاثة شبان يمثلون اتجاهات تحاول استقطاب الأجيال الجديدة.
هناك الشاب الثرى بالوراثة "نبيل" "أمير المصرى" الذى لا يهتم أصلاً بالتعليم، ولكن يحاول النجاح لكى توافق أمه على رحلة سيقوم بها إلى أمريكا.
إنه يعد "نجيبة" بالزواج، وبعد أن يأخذ ورقة إجابتها فى "الامتحان" يتخلى عنها.
تماماً مثل الشاب الثانى الشيوعى "خالد" "نضال الشافعى" الذى يحوّلها إلى مناضلة اشتراكية بعد أن حفظت كتب "ماركس" ويهرب أيضاً عند أول مواجهة.
"نجيبة" التى تتحول فى كل مرة لأنها لم تتعود أن تفهم وأن تفكر ولكنها تعودت أن تردد ما تسمعه، ستخوض أيضاً تجربة التدين الشكلى من خلال داعية انتهازى اسمه "عامر حسّان" ويلعب دوره الفنان الشاب "شادى خلف" يوظفها فى القناة الفضائية الدينية الشبابية التى يملكها، ويحاول الزواج منها رغم أنه زوج لاثنتين، بل يحرضها على ترك كلية الآثار حتى لا تدرس الأصنام، ولكنه أيضاً يتخلى عنها عند الجدّ.
السيناريو الذكى لم يجعل "نجيبة" فقط فاشلة فى مواجهة الحياة، ولكنها أيضاً تنقل طريقة التلقين كمُدرِّسة بالقطعة لتلاميذ صغار يرددون شعاراتها حسب تحولاتها من الروشنة إلى الاشتراكية إلى الالتزام الدينى.
وفى النهاية يختار الفيلم أن ينقذها بأن تختار الطريق الصحيح، وتفتح النوافذ أمام تلاميذها، بل تحصل على العريس فى مشهد أخير مفاجىء.
بصفة عامة، ورغم ملاحظة هنا وأخرى هناك، أنت أمام فيلم متماسك لا تفلت فكرته من مؤلفه، ولا يستغرق فى خط على حساب خط آخر، ولا يستطرد فى أفكار فرعية.
فيلم يوظف كل ممثل فى دوره رغم الملاحظة الواضحة جداً فى تذبذب أداء ياسمين عبد العزيز بين التلقائية وخفة الظل، وبين الاستظراف والمبالغة المزعجة!